الســــــلام عليكــــم ورحمــــة الله وبركاته
كم مرة شعرت بالفخر والزهو لأنك عربي؟ بالنسبة لي.. "ولا مرة".. كم مرة
شعرت بالخزي والكسوف لأنك عربي؟ بالنسبة لي.. ألف مرة.. وكم مرة لم تشعر
بشيء.. لا بالفخر ولا بالخزي لأنك عربي؟ بالنسبة لكل العرب.. مليون مرة..
"ما تفرقش".. والمأساة التي لا يشعر بها أحد أن طولها أصبح "زي عرضها"..
والنجاح الساحق الذي حققه العرب هو أنهم حافظوا علي دورية القمة.. يعني
علي موعد محدد في مارس لعقد القمة العادية.. فهناك قمة عربية عادة وقمة
محبوسة.. واجتماع عربي عادي واجتماع مستعجل.. والمستعجل أغلي من العادي..
"واللي ما معاهوش ما يلزموش".. بفلوسك تستطيع عقد قمة مستعجلة وتكون
رئيسها.. لا يهم أن يكون هناك موضوع عاجل يتطلب عقد قمة.. المهم أن تكون
أنت رئيس القمة ومنظمها.. من العيب أن يفرض موضوع نفسه علي القمة لأن
اجتماع القادة أكبر من أي موضوع.. والمهم أن تفرض القمة نفسها علي أي
قضية.. والنجاح أن تعقد القمة لا أن تحل أي قضية.. وأن يغادر القادة بلد
القمة "مبسوطين" وأن يرسلوا برقيات يشيدون فيها بحسن التنظيم وكرم
الضيافة..
والمهم هو ما يراه القادة مهما.. يعني لا قيمة للقدس والأقصي ولا حتي لهدم
المسجد الحرام إذا رأي القادة أن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة.. وأن الأهم
هو البحث في كيفية دخول العرب العصر الرقمي والتعهيد والحوكمة وجذب المزيد
من الاستثمارات ومكافحة الإرهاب العربي والإسلامي.. فالقادة هم الأطباء
ونحن المرضي ومن غير المعقول أن نفهم أفضل منهم "هم يفصلون ونحن نلبس"..
يعني المريض رجل يعاني السرطان الذي يفتك بكل جسده.. لكن الطبيب أدري
بالحالة وشخصها علي أن هذا الرجل المريض "حامل في خمسة أشهر".. وليس
للمريض المكتمل الرجولة أن يعترض علي أنه حامل.. وعليه أن يسمع كلام
الدكتور وينام علي ظهره ويتعاطي أدوية تثبيت الحمل "واللي جاب له يخلي
له".. كما أن عليه أن يخضع للسونار لمعرفة نوع الجنين.. والسونار يؤكد أن
الورمين السرطانيين في بطنه جنينان.. يعني الرجل المريض العربي حامل في
توأم.
والقادة هم سائق السيارة ونحن الركاب وهم يرون الطريق أفضل.. نحن الركاب
نزعم أن قائد السيارة العربية يقودها إلي الهاوية.. ولكن السائق "يشخط
فينا" ويؤكد أننا لا نفهم شيئا.. وأنه أدري وأعلم بالطريق وبمصلحتنا..
"واللي موش عاجبه ينزل".. ولا أحد طبعا يستطيع أن ينزل في هذه "الحتة
المقطوعة" فيضطر للامتثال والاعتذار للسائق.. وكل الركاب العرب ينبرون
للدفاع عن السائق وتوجيه اللوم للراكب "اللمض" الذي يعترض علي السائق..
ويسكت الراكب "اللمض" وليس أمامه إلا أن يخرس وإلا ينزل في هذه الأمة
"المقطوعة" والدنيا "ضلمة كحل".. ثم ينضم لباقي الركاب في الاعتذار للسائق.
ويتطور الاعتذار إلي نفاق ومحاولة مستميتة لإرضاء السائق واضحاكه
وتسليته.. "يا عم ولا تزعل نفسك..ربنا يستر طريقك.. كان الله في العون..
ربنا يرجعك لعيالك بالسلامة.. احنا اللي موش عارفين نركب..لكن أنت سواق
بريمو.. بسم الله ما شاء الله.. يا جماعة نستحمل بعضينا..
وكلها دقايق وكل واحد يروح لحاله..".
الميكروباص العربي يطير بنا إلي القبور "واللي موش عاجبه ينزل".. ودائما
عندما أركب الميكروباص يسيطر علي يقين بأن هذا الميكروباص نموذج لأمة
عربية مصغرة.. هناك حكومة يمثلها السائق.. وهناك شعب يمثله الركاب.. ووسط
هذا الشعب أصوات معارضة سرعان ما يتم قمعها من جانب الشعب نفسه لصالح
الحكومة.. ولا أحد علي حق.. الحكومة علي خطأ والشعب علي خطأ والمعارضة علي
خطأ.. ووسط الضجيج هناك يائسون من أمثالي يتفرجون علي ما يجري.. ويتابعون
صراع وعراك السائق مع الراكب المعارض.. وتدخلات الشعب المؤيد للسائق..
وكثيرا ما يكون المعارض مجنونا أو غبيا أو يعارض للمعارضة.. أو هو مجرد
"مناكف" وخلاص.. يرفض دفع الأجرة ويري أنها مبالغ فيها.. يرفض خط سير
السائق.. وينتهي الأمر عادة بقمع هذا المعارض من خلال اتحاد كونفيدرالي أو
ائتلاف بين السائق والركاب الآخرين ..
الأمة العربية مثل الميكروباص "الخربان" الذي يقوده سائق أرعن أو مبرشم..
والركاب ليس لديهم حل آخر.. ليس لديهم بديل "كل واحد عايز يروح أو يذهب
إلي شغله".. فيركبون مستسلمين رغم ما يشبه اليقين بأن الميكروباص العربي
سوف "يلبس" حتما في سيارة نقل أو سوف يقفز في النيل من كوبري أكتوبر
"وكلام ركاب الميكروباص مثل كلام الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج..
كلام فارغ عادة.. وفض مجالس.. وكلام فيه استسلام مقيت.. فالميكروباص قضاء
وقدر وسائقه قضاء وقدر.. والتوصيلة السوداء كلها قضاء وقدر.. والحوار بين
الركاب مثل الحوار بين الشعوب في الأمة العربية.. لا يوجد موضوع محدد..
"نطلع من موضوع ونخش في موضوع".. وننحشر في الميكروباص المتهالك فوق بعضنا
دون اعتراض ودون أدني إحساس بالأدمية والكرامة.. ونردد نفس العبارات
المستسلمة "معلهش يا جماعة نستحمل بعضينا شوية.. لو سمحت يا حاج وسع له
خليه يقعد.. الكرسي أربعة".. والكرسي لثلاثة فقط لكنك لا تستطيع أن تقول
ذلك.. وحتي إذا قلته فإنك تقوله وأنت تفسح مكانا للرابع ليقعد علي قلبك..
ولو صممت علي موقفك بأن الكرسي لثلاثة فإن السائق والركاب ضدك.. لكنك
بفلوسك تستطيع إنهاء المسألة بأن تدفع أجرة اثنين لتقعد براحتك وتهزم
الراكب الرابع والركاب الأخرين والسائق ..
الميكروباص أمة عربية مصغرة.. ففيه كما في الأمة تستطيع أن تحل أي مشكلة
بفلوسك وتستطيع أن تفرض رأيك بفلوسك.. يمكنك أن تلغي جميع الركاب الذين هم
أي شعب عربي بفلوسك.. تركب وحدك في الميكروباص الطويل العريض وتقول
للسائق: "اطلع يا اسطي" فيمتثل السائق الذي هو الحكومة في أي بلد عربي..
وتتحول أنت إلي سلطة بفلوسك.. ويتحول السائق إلي خادم لك.. يمكنك أن تغير
خط سيره وتأمره بأن يذهب بك إلي بيتك عن طريق مدغشقر.. أن يذهب إلي مدينة
نصر من طريق الهرم.. يمكنك أن تأمره بأن يطفيء المسجل "أو يشغله" ويخفض
الصوت أو يرفعه..يمكنك أن تعطيه شريطا من عندك ليديره.. بفلوسك في
الميكروباص كما في الأمة العربية تحدد موضوع الحوار مع السائق وتأخذ
موافقته غير المشروطة علي كل ما تقول.. ويمكنك زيادة في الأبهة والسلطة أن
"تعزم" الركاب لتوصيلهم علي حسابك وساعتها سيكونون شعبك أنت لا شعب السائق
وسينافقونك أنت ولا ينافقون السائق ..
بفلوسك تستطيع أن تكون رئيس مؤتمر القمة في الميكروباص كما في الأمة
العربية وأن تفرض جدول الأعمال والموضوعات المطروحة للنقاش.. بفلوسك
تستطيع صياغة البيان الختامي للقمة العربية الميكروباصية.. تدين ما تشاء
وتؤيد ما تشاء وتشجب ما تحب وتثمن عاليا ما يحلو لك.. وتضيف ما تشاء من
البنود وتحذف ما تريد "واللي موش عاجبه ينزل حتي السائق إذا كان موش عاجبه
ينزل".. ولا أحد سوف ينزل والكل سيمتثل ويرضخ ويصفق وينافق.
الناس في الميكروباص العربي غير معنيين بقضية القدس ولا الأقصي ولا كنيس
الخراب.. الناس في الميكروباص العربي فقدوا الوعي والإدراك.. تراهم ينظرون
وهم لا يبصرون.. ربما يشاركون في الحوار لكن لقتل الوقت ولاستعراض
المعلومات والأمر لا يعنيهم ..
لا أحد في الميكروباص العربي يتابع شيئا.. المسجل يصرخ ولا أحد يسمع
الأغاني ولا القرآن.. والناس يتحدثون فيما لا يعنيهم.. والركاب يجرون إلي
ما لا يدرون.. والسائق مصمم علي أنه محق وأنه يعرف أكثر.. وعلي الركاب أن
يضربوا رءوسهم في أبواب الميكروباص.. والقدس والأقصي بالنسبة للعرب مجرد
سرادق عزاء نذهب إليه للمشاطرة والمجاملة.. نحن نتفنن في تنظيم سرادقات
العزاء لكننا لا نشعر بالحزن.. وأمتنا تحولت إلي أمة مناسبات.. ولا أكاد
أعرف أمة في العالم لديها من المناسبات والأعياد ما لدينا نحن العرب..
عندنا ذكري يوم الأرض.. ويوم الشهيد وذكري حريق الأقصي وأعياد تحرير لا
حصر لها.. وأعياد قومية لكل قرية ومدينة ومحافظة.. عندنا أناشيد وطنية لا
مثيل لها في العالم.. لا توجد دولة في العالم عندها أغان وطنية مثل الدول
العربية.. أغان وطنية لعيد الاستقلال وعيد الجلاء وفوز المنتخب وعيد
الجلوس وعيد الركوب وعيد الأم وعيد زوجة الأب.. كل حياتنا مناسبات.. شعرنا
شعر مناسبات.. مقالاتنا مقالات مناسبات.. برامجنا برامج مناسبات.. وفننا
فن مناسبات.. وفي المناسبات نحن نشارك بلا قلب وبلا وعي.. مجرد مجاملات
ومشاطرة وهتافات في مظاهرة.. وقد نبكي ونلطم الخدود ونشق الجيوب ونتخلق
بأخلاق الجاهلية.. لكني لا أصدق أبدًا أن أي عربي يعاني ويتألم ويغضب..
انه يشاطر ويجامل وينافق السائق لكنه ليس معنيا بالأمر.
هذه الأمة أو هذا الميكروباص العربي ضل الطريق لكن السائق يكابر والركاب
ينافقونه لأنه يهددهم دائما بالعبارة العربية الخالدة "اللي موش عاجبه
ينزل".. ولا أحد يستطيع أن ينزل لذلك يرضي الركاب بالدونية والدنية والذل
والهوان والكراسي "المكسرة" والمتهالكة.. وأنا يا صديقي أكره المناسبات
العربية التي صارت أكثر من الهم علي القلب.. أكره هتافات وكتابات ومظاهرات
المناسبات لأنها أكذوبة كبري ..
لقد كسبت إسرائيل الرهان علي العرب وكسبت أمريكا الرهان.. فلم يعد شيء
يغضبنا ولم يعد هم عام يحزننا وإسرائيل لا تخشي أي رد فعل عربي تجاه ما
تفعل.. لذلك تفعل ما يعن لها.. ولم نعد نفاجأ أو نندهش.. وركاب الميكروباص
العربي يمرون وهم معرضون.. وسيتم هدم المسجد الأقصي دون أن يتحرك أحد..
وسيتم غزو المسجد الحرام دون أن يحرك عربي ساكنا.. سوف نتظاهر داخل
الميكروباص ونغني أناشيد وطنية في ذكري هدم الأقصي وهدم المسجد الحرام..
وسنجد السائق العربي لكل ميكروباص يدعونا إلي التعقل وضبط النفس والتمسك
بالخيار الاستراتيجي والحذر من استدراجنا إلي مواجهات وعنتريات غير
محسوبة..
ستتم الدعوة إلي عقد قمة عربية عادة أو محبوسة.. ويتم تشكيل لجنة عربية
لتقصي الحقائق حول هدم المسجد الأقصي وهدم المسجد الحرام.. وهل تم ذلك
بمعاول إسرائيل أم بفعل هزة أرضية أم بأيد فلسطينية من فتح لإحراج حماس أو
من حماس لإحراج فتح.. سوف نختلف في تفسير أسباب هدم الأقصي والحرام..
وسننقسم إلي دول عربية معتدلة ودول متطرفة في هذا الأمر.. الدول العربية
المعتدلة ستلجأ إلي الأمم المتحدة والرأي العام العالمي والدول المتطرفة
ستتظاهر وتهتف وتدين وتشجب.. الدول المعتدلة ستعرب عن القلق والدول
المتطرفة سترفض وتدين بشدة.. وسيكون بين الدول العربية ما صنع الحداد بشأن
تأطير ومحورة وبلورة موقف موحد بشأن قضية هدم الأقصي وهدم المسجد الحرام..
وسيكون هناك رأي عاقل يقول: "كل الهيصة دي علشان جامع اتهد.. ابنوا غيره
وخلاص.. الحكاية ديتها قرشين نبني بيهم مسجدين في أي مكان.. واحد نسميه
أقصي
والثاني حرام.. وبلاش خوتة"..
إسرائيل اختارت الوقت المناسب للتمثيل بالجثة العربية.. فما يحدث الآن ليس
قتلا للعرب لكنه ضرب في الميت وتمثيل بالجثة التي لا يضيرها سلخها بعد
ذبحها.. وستعقد القمة العربية بألف حضن وبوسة.. لكنها ستنفض بلا جدوي ولا
نتيجة.. سواء كانت عادة أو محبوسة!!
نظرة
أسهل عبارة يقولها المسئولون والكتاب العرب تعليقا علي ما يجري في القدس
هي أنه لابد من موقف عربي موحد لمواجهة انتهاكات وممارسات إسرائيل
العدوانية ضد المقدسات الإسلامية..
وهي عبارة تعني تعليق مواجهة إسرائيل علي شرط مستحيل: "يعني الأول نعمل
موقف عربي موحد وبعدين نواجه إسرائيل".. ومعني ذلك أننا سنواجه إسرائيل في
المشمش أو في اليوم الثاني والثلاثين من الشهر الثالث عشر.. ونحن العرب
مغرمون بمناقشة قضايا مستحيلة مثل تنقية الأجواء العربية "وتنقية الأرز
العربي" وبلورة موقف عربي موحد لمواجهة إسرائيل.. أما أنا فإن اقتراحي هو
الأكثر عملية ومنطقية وهو قابل للتحقيق وأعني به محاولة إيجاد زي عربي موحد
أو "يونيفورم" لمواجهة إسرائيل!!
مع تحياتى \إبراهيم مصطفى هندام
كم مرة شعرت بالفخر والزهو لأنك عربي؟ بالنسبة لي.. "ولا مرة".. كم مرة
شعرت بالخزي والكسوف لأنك عربي؟ بالنسبة لي.. ألف مرة.. وكم مرة لم تشعر
بشيء.. لا بالفخر ولا بالخزي لأنك عربي؟ بالنسبة لكل العرب.. مليون مرة..
"ما تفرقش".. والمأساة التي لا يشعر بها أحد أن طولها أصبح "زي عرضها"..
والنجاح الساحق الذي حققه العرب هو أنهم حافظوا علي دورية القمة.. يعني
علي موعد محدد في مارس لعقد القمة العادية.. فهناك قمة عربية عادة وقمة
محبوسة.. واجتماع عربي عادي واجتماع مستعجل.. والمستعجل أغلي من العادي..
"واللي ما معاهوش ما يلزموش".. بفلوسك تستطيع عقد قمة مستعجلة وتكون
رئيسها.. لا يهم أن يكون هناك موضوع عاجل يتطلب عقد قمة.. المهم أن تكون
أنت رئيس القمة ومنظمها.. من العيب أن يفرض موضوع نفسه علي القمة لأن
اجتماع القادة أكبر من أي موضوع.. والمهم أن تفرض القمة نفسها علي أي
قضية.. والنجاح أن تعقد القمة لا أن تحل أي قضية.. وأن يغادر القادة بلد
القمة "مبسوطين" وأن يرسلوا برقيات يشيدون فيها بحسن التنظيم وكرم
الضيافة..
والمهم هو ما يراه القادة مهما.. يعني لا قيمة للقدس والأقصي ولا حتي لهدم
المسجد الحرام إذا رأي القادة أن الأمر لا يستحق كل هذه الضجة.. وأن الأهم
هو البحث في كيفية دخول العرب العصر الرقمي والتعهيد والحوكمة وجذب المزيد
من الاستثمارات ومكافحة الإرهاب العربي والإسلامي.. فالقادة هم الأطباء
ونحن المرضي ومن غير المعقول أن نفهم أفضل منهم "هم يفصلون ونحن نلبس"..
يعني المريض رجل يعاني السرطان الذي يفتك بكل جسده.. لكن الطبيب أدري
بالحالة وشخصها علي أن هذا الرجل المريض "حامل في خمسة أشهر".. وليس
للمريض المكتمل الرجولة أن يعترض علي أنه حامل.. وعليه أن يسمع كلام
الدكتور وينام علي ظهره ويتعاطي أدوية تثبيت الحمل "واللي جاب له يخلي
له".. كما أن عليه أن يخضع للسونار لمعرفة نوع الجنين.. والسونار يؤكد أن
الورمين السرطانيين في بطنه جنينان.. يعني الرجل المريض العربي حامل في
توأم.
والقادة هم سائق السيارة ونحن الركاب وهم يرون الطريق أفضل.. نحن الركاب
نزعم أن قائد السيارة العربية يقودها إلي الهاوية.. ولكن السائق "يشخط
فينا" ويؤكد أننا لا نفهم شيئا.. وأنه أدري وأعلم بالطريق وبمصلحتنا..
"واللي موش عاجبه ينزل".. ولا أحد طبعا يستطيع أن ينزل في هذه "الحتة
المقطوعة" فيضطر للامتثال والاعتذار للسائق.. وكل الركاب العرب ينبرون
للدفاع عن السائق وتوجيه اللوم للراكب "اللمض" الذي يعترض علي السائق..
ويسكت الراكب "اللمض" وليس أمامه إلا أن يخرس وإلا ينزل في هذه الأمة
"المقطوعة" والدنيا "ضلمة كحل".. ثم ينضم لباقي الركاب في الاعتذار للسائق.
ويتطور الاعتذار إلي نفاق ومحاولة مستميتة لإرضاء السائق واضحاكه
وتسليته.. "يا عم ولا تزعل نفسك..ربنا يستر طريقك.. كان الله في العون..
ربنا يرجعك لعيالك بالسلامة.. احنا اللي موش عارفين نركب..لكن أنت سواق
بريمو.. بسم الله ما شاء الله.. يا جماعة نستحمل بعضينا..
وكلها دقايق وكل واحد يروح لحاله..".
الميكروباص العربي يطير بنا إلي القبور "واللي موش عاجبه ينزل".. ودائما
عندما أركب الميكروباص يسيطر علي يقين بأن هذا الميكروباص نموذج لأمة
عربية مصغرة.. هناك حكومة يمثلها السائق.. وهناك شعب يمثله الركاب.. ووسط
هذا الشعب أصوات معارضة سرعان ما يتم قمعها من جانب الشعب نفسه لصالح
الحكومة.. ولا أحد علي حق.. الحكومة علي خطأ والشعب علي خطأ والمعارضة علي
خطأ.. ووسط الضجيج هناك يائسون من أمثالي يتفرجون علي ما يجري.. ويتابعون
صراع وعراك السائق مع الراكب المعارض.. وتدخلات الشعب المؤيد للسائق..
وكثيرا ما يكون المعارض مجنونا أو غبيا أو يعارض للمعارضة.. أو هو مجرد
"مناكف" وخلاص.. يرفض دفع الأجرة ويري أنها مبالغ فيها.. يرفض خط سير
السائق.. وينتهي الأمر عادة بقمع هذا المعارض من خلال اتحاد كونفيدرالي أو
ائتلاف بين السائق والركاب الآخرين ..
الأمة العربية مثل الميكروباص "الخربان" الذي يقوده سائق أرعن أو مبرشم..
والركاب ليس لديهم حل آخر.. ليس لديهم بديل "كل واحد عايز يروح أو يذهب
إلي شغله".. فيركبون مستسلمين رغم ما يشبه اليقين بأن الميكروباص العربي
سوف "يلبس" حتما في سيارة نقل أو سوف يقفز في النيل من كوبري أكتوبر
"وكلام ركاب الميكروباص مثل كلام الشعوب العربية من المحيط إلي الخليج..
كلام فارغ عادة.. وفض مجالس.. وكلام فيه استسلام مقيت.. فالميكروباص قضاء
وقدر وسائقه قضاء وقدر.. والتوصيلة السوداء كلها قضاء وقدر.. والحوار بين
الركاب مثل الحوار بين الشعوب في الأمة العربية.. لا يوجد موضوع محدد..
"نطلع من موضوع ونخش في موضوع".. وننحشر في الميكروباص المتهالك فوق بعضنا
دون اعتراض ودون أدني إحساس بالأدمية والكرامة.. ونردد نفس العبارات
المستسلمة "معلهش يا جماعة نستحمل بعضينا شوية.. لو سمحت يا حاج وسع له
خليه يقعد.. الكرسي أربعة".. والكرسي لثلاثة فقط لكنك لا تستطيع أن تقول
ذلك.. وحتي إذا قلته فإنك تقوله وأنت تفسح مكانا للرابع ليقعد علي قلبك..
ولو صممت علي موقفك بأن الكرسي لثلاثة فإن السائق والركاب ضدك.. لكنك
بفلوسك تستطيع إنهاء المسألة بأن تدفع أجرة اثنين لتقعد براحتك وتهزم
الراكب الرابع والركاب الأخرين والسائق ..
الميكروباص أمة عربية مصغرة.. ففيه كما في الأمة تستطيع أن تحل أي مشكلة
بفلوسك وتستطيع أن تفرض رأيك بفلوسك.. يمكنك أن تلغي جميع الركاب الذين هم
أي شعب عربي بفلوسك.. تركب وحدك في الميكروباص الطويل العريض وتقول
للسائق: "اطلع يا اسطي" فيمتثل السائق الذي هو الحكومة في أي بلد عربي..
وتتحول أنت إلي سلطة بفلوسك.. ويتحول السائق إلي خادم لك.. يمكنك أن تغير
خط سيره وتأمره بأن يذهب بك إلي بيتك عن طريق مدغشقر.. أن يذهب إلي مدينة
نصر من طريق الهرم.. يمكنك أن تأمره بأن يطفيء المسجل "أو يشغله" ويخفض
الصوت أو يرفعه..يمكنك أن تعطيه شريطا من عندك ليديره.. بفلوسك في
الميكروباص كما في الأمة العربية تحدد موضوع الحوار مع السائق وتأخذ
موافقته غير المشروطة علي كل ما تقول.. ويمكنك زيادة في الأبهة والسلطة أن
"تعزم" الركاب لتوصيلهم علي حسابك وساعتها سيكونون شعبك أنت لا شعب السائق
وسينافقونك أنت ولا ينافقون السائق ..
بفلوسك تستطيع أن تكون رئيس مؤتمر القمة في الميكروباص كما في الأمة
العربية وأن تفرض جدول الأعمال والموضوعات المطروحة للنقاش.. بفلوسك
تستطيع صياغة البيان الختامي للقمة العربية الميكروباصية.. تدين ما تشاء
وتؤيد ما تشاء وتشجب ما تحب وتثمن عاليا ما يحلو لك.. وتضيف ما تشاء من
البنود وتحذف ما تريد "واللي موش عاجبه ينزل حتي السائق إذا كان موش عاجبه
ينزل".. ولا أحد سوف ينزل والكل سيمتثل ويرضخ ويصفق وينافق.
الناس في الميكروباص العربي غير معنيين بقضية القدس ولا الأقصي ولا كنيس
الخراب.. الناس في الميكروباص العربي فقدوا الوعي والإدراك.. تراهم ينظرون
وهم لا يبصرون.. ربما يشاركون في الحوار لكن لقتل الوقت ولاستعراض
المعلومات والأمر لا يعنيهم ..
لا أحد في الميكروباص العربي يتابع شيئا.. المسجل يصرخ ولا أحد يسمع
الأغاني ولا القرآن.. والناس يتحدثون فيما لا يعنيهم.. والركاب يجرون إلي
ما لا يدرون.. والسائق مصمم علي أنه محق وأنه يعرف أكثر.. وعلي الركاب أن
يضربوا رءوسهم في أبواب الميكروباص.. والقدس والأقصي بالنسبة للعرب مجرد
سرادق عزاء نذهب إليه للمشاطرة والمجاملة.. نحن نتفنن في تنظيم سرادقات
العزاء لكننا لا نشعر بالحزن.. وأمتنا تحولت إلي أمة مناسبات.. ولا أكاد
أعرف أمة في العالم لديها من المناسبات والأعياد ما لدينا نحن العرب..
عندنا ذكري يوم الأرض.. ويوم الشهيد وذكري حريق الأقصي وأعياد تحرير لا
حصر لها.. وأعياد قومية لكل قرية ومدينة ومحافظة.. عندنا أناشيد وطنية لا
مثيل لها في العالم.. لا توجد دولة في العالم عندها أغان وطنية مثل الدول
العربية.. أغان وطنية لعيد الاستقلال وعيد الجلاء وفوز المنتخب وعيد
الجلوس وعيد الركوب وعيد الأم وعيد زوجة الأب.. كل حياتنا مناسبات.. شعرنا
شعر مناسبات.. مقالاتنا مقالات مناسبات.. برامجنا برامج مناسبات.. وفننا
فن مناسبات.. وفي المناسبات نحن نشارك بلا قلب وبلا وعي.. مجرد مجاملات
ومشاطرة وهتافات في مظاهرة.. وقد نبكي ونلطم الخدود ونشق الجيوب ونتخلق
بأخلاق الجاهلية.. لكني لا أصدق أبدًا أن أي عربي يعاني ويتألم ويغضب..
انه يشاطر ويجامل وينافق السائق لكنه ليس معنيا بالأمر.
هذه الأمة أو هذا الميكروباص العربي ضل الطريق لكن السائق يكابر والركاب
ينافقونه لأنه يهددهم دائما بالعبارة العربية الخالدة "اللي موش عاجبه
ينزل".. ولا أحد يستطيع أن ينزل لذلك يرضي الركاب بالدونية والدنية والذل
والهوان والكراسي "المكسرة" والمتهالكة.. وأنا يا صديقي أكره المناسبات
العربية التي صارت أكثر من الهم علي القلب.. أكره هتافات وكتابات ومظاهرات
المناسبات لأنها أكذوبة كبري ..
لقد كسبت إسرائيل الرهان علي العرب وكسبت أمريكا الرهان.. فلم يعد شيء
يغضبنا ولم يعد هم عام يحزننا وإسرائيل لا تخشي أي رد فعل عربي تجاه ما
تفعل.. لذلك تفعل ما يعن لها.. ولم نعد نفاجأ أو نندهش.. وركاب الميكروباص
العربي يمرون وهم معرضون.. وسيتم هدم المسجد الأقصي دون أن يتحرك أحد..
وسيتم غزو المسجد الحرام دون أن يحرك عربي ساكنا.. سوف نتظاهر داخل
الميكروباص ونغني أناشيد وطنية في ذكري هدم الأقصي وهدم المسجد الحرام..
وسنجد السائق العربي لكل ميكروباص يدعونا إلي التعقل وضبط النفس والتمسك
بالخيار الاستراتيجي والحذر من استدراجنا إلي مواجهات وعنتريات غير
محسوبة..
ستتم الدعوة إلي عقد قمة عربية عادة أو محبوسة.. ويتم تشكيل لجنة عربية
لتقصي الحقائق حول هدم المسجد الأقصي وهدم المسجد الحرام.. وهل تم ذلك
بمعاول إسرائيل أم بفعل هزة أرضية أم بأيد فلسطينية من فتح لإحراج حماس أو
من حماس لإحراج فتح.. سوف نختلف في تفسير أسباب هدم الأقصي والحرام..
وسننقسم إلي دول عربية معتدلة ودول متطرفة في هذا الأمر.. الدول العربية
المعتدلة ستلجأ إلي الأمم المتحدة والرأي العام العالمي والدول المتطرفة
ستتظاهر وتهتف وتدين وتشجب.. الدول المعتدلة ستعرب عن القلق والدول
المتطرفة سترفض وتدين بشدة.. وسيكون بين الدول العربية ما صنع الحداد بشأن
تأطير ومحورة وبلورة موقف موحد بشأن قضية هدم الأقصي وهدم المسجد الحرام..
وسيكون هناك رأي عاقل يقول: "كل الهيصة دي علشان جامع اتهد.. ابنوا غيره
وخلاص.. الحكاية ديتها قرشين نبني بيهم مسجدين في أي مكان.. واحد نسميه
أقصي
والثاني حرام.. وبلاش خوتة"..
إسرائيل اختارت الوقت المناسب للتمثيل بالجثة العربية.. فما يحدث الآن ليس
قتلا للعرب لكنه ضرب في الميت وتمثيل بالجثة التي لا يضيرها سلخها بعد
ذبحها.. وستعقد القمة العربية بألف حضن وبوسة.. لكنها ستنفض بلا جدوي ولا
نتيجة.. سواء كانت عادة أو محبوسة!!
نظرة
أسهل عبارة يقولها المسئولون والكتاب العرب تعليقا علي ما يجري في القدس
هي أنه لابد من موقف عربي موحد لمواجهة انتهاكات وممارسات إسرائيل
العدوانية ضد المقدسات الإسلامية..
وهي عبارة تعني تعليق مواجهة إسرائيل علي شرط مستحيل: "يعني الأول نعمل
موقف عربي موحد وبعدين نواجه إسرائيل".. ومعني ذلك أننا سنواجه إسرائيل في
المشمش أو في اليوم الثاني والثلاثين من الشهر الثالث عشر.. ونحن العرب
مغرمون بمناقشة قضايا مستحيلة مثل تنقية الأجواء العربية "وتنقية الأرز
العربي" وبلورة موقف عربي موحد لمواجهة إسرائيل.. أما أنا فإن اقتراحي هو
الأكثر عملية ومنطقية وهو قابل للتحقيق وأعني به محاولة إيجاد زي عربي موحد
أو "يونيفورم" لمواجهة إسرائيل!!
مع تحياتى \إبراهيم مصطفى هندام
السبت سبتمبر 04, 2010 5:54 pm من طرف عصفراويه
» المدينه المسخوطه التى جاء ذكرها فى القرأن
السبت سبتمبر 04, 2010 5:29 pm من طرف عصفراويه
» صور نادرة للكون...عايزة من الكل يدخل ويسبح باسم الله العظيم
الثلاثاء أغسطس 31, 2010 3:55 pm من طرف عصفراويه
» صور لمدينه تجري من تحتها الانهار سبحان الله
الثلاثاء أغسطس 31, 2010 3:56 am من طرف عصفراويه
» أجمل ما قام به الصينيون فى حدائقهم
الثلاثاء أغسطس 31, 2010 3:45 am من طرف عصفراويه
» (اجمل طيور فى العالم)
الثلاثاء أغسطس 31, 2010 3:39 am من طرف عصفراويه
» نشيد "مولاي" للشيخ / سيد النقشبندي
الإثنين أغسطس 30, 2010 5:52 pm من طرف عصفراويه
» مجموعة من الصور و الخلفيات بدقة عاليه
الإثنين أغسطس 30, 2010 5:27 pm من طرف عصفراويه
» عمود مائي يربط السماء بالإرض ... سبحان الله
الإثنين أغسطس 30, 2010 5:14 pm من طرف عصفراويه